الرئيسيةبروفايلمتداولمشاهير

خاص | عدنان قصار ضحية باسل الأسد.. اعتقال دام لعقدين

ديلي سبورت عربي – قصي معن صافي

في قصة تخلّد كواحدة من أقسى التجارب في عالم الفروسية في سوريا، يروي عدنان قصار، الذي قضى 22 عامًا خلف القضبان، كيف أدت الصراعات الداخلية والخلافات الشخصية الناجمة عن غرور عائلة الأسد إلى تحويل مسيرته الرياضية والحياتية إلى مأساة مستمرة.

تتناول هذه الرواية العديد من الجوانب، بدءًا من نشأة نادي الفروسية وحتى الوقائع التي أدت إلى تعرض قصار للتعذيب داخل السجون، مرورًا بحياته داخل المعتقلات، وانتهاءً بالإفراج عنه في ظل ضغوط دولية.

عدنان قصار.. فارس الكرامة والشهامة

لطالما اعتُبرت الفروسية من الرياضات الأصيلة التي تجمع بين الفن والشجاعة والروح الرياضية.

وفي سوريا، كانت لهذه الرياضة مكانة خاصة في قلوب محبيها، إذ يمثل الفرسان رمزًا للشجاعة والكرامة.

ومع ذلك، شهدت هذه الرياضة تحولات دراماتيكية بسبب النزاعات الداخلية والخلافات الشخصية، حيث تُعد قصة عدنان قصار مثالاً حيًا على مدى تأثير الغرور والسلطة على مصير الأفراد،

إذ أدت تصرفات عائلة الأسد الأنانية إلى سجن قصار وتعذيبه على مدى أكثر من عقدين، ما ترك أثرًا بالغًا على نفسه وعلى مسيرته الرياضية.

نشأة نادي دمشق للفروسية وخلفية النزاع

بدأت قصة عدنان قصار في عالم الفروسية منذ سنوات طويلة، حين كان شابًا يتدرب في صفوف نادي دمشق للفروسية الواقع في منطقة صحنايا.

وعند سؤاله عن كيفية تأسيس النادي، أوضح قصار أنه لم يقم بتأسيس النادي بنفسه، بل كان جزءًا من النادي الذي كان فيه باسل الأسد.

في تلك الفترة، كان هناك معسكر لمنتخب سوريا للفروسية يضم العديد من الفرسان الموهوبين، من بينهم إخوته الأصغر من عمره، رضوان وغسان قصار.

وكانت هذه الفترة تشهد مشاركة واسعة للفرق والمنتخبات في مسابقات الفروسية المحلية والدولية، مما أضفى على النادي طابعًا تنافسيًا وحماسيًا.

في بطولة المتوسط عام 1987، حدث تحول كبير في مسار النادي؛ إذ انتقل نادي الفروسية إلى نادي الرماية في منطقة الديماس.

ومن خلال عملية انتقاء دقيقة شملت الفرسان المميزين من معسكر المنتخب، بقي عدنان قصار وإخوته رضوان وغسان مع باسل الأسد وعدي قباني كممثلين لسوريا في دورة ألعاب المتوسط.

كانت تلك الفترة بمثابة نقطة انطلاق لصناعة أسماء بارزة في مجال الفروسية السورية، لكن التنافس والتحالفات داخل النادي بدأ يظهر أثره السلبي لاحقًا.

اقرأ أيضاً: مانشستر سيتي 2-3 ريال مدريد | ريمونتادا جديدة للمرينغي

عدنان

تصاعد الخلافات بين عدنان قصار وباسل الأسد

منذ بطولة المتوسط عام 1987، بدأت الخلافات بين عدنان قصار وباسل الأسد تتفاقم، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو سلوك باسل الأسد الذي كان يمارس سلطته بصفة عسكرية داخل النادي.

فقد كان باسل الأسد يتدخل بشكل مباشر في إدارة الفريق، حيث كان يقوم بتبديل الخيول بين الفرسان كما يشاء،

مما أثار استياء عدنان قصار الذي اعتبر أن الخيل والفارس يشكلان ثنائيًا متصلًا روحياً؛ فإذا تم تبديل الخيل بطريقة عشوائية فإن ذلك يؤدي إلى خلل يؤثر سلباً على أداء الفرسان ونتائج المنافسات.

عندما سُئل قصار عن عدم كفاءة باسل الأسد في البقاء مع الفرسان بعد عملية الانتقاء، أوضح أن باسل الأسد ظل في النادي بصفته العسكرية،

وأن الحصان الذي شارك به الفريق في المسابقات لم يكن حصان باسل، بل كان حصان أخيه غسان، وقد قام باسل بأخذه قبل شهر من بطولة المتوسط دون أن يُمنح غسان الفرصة للاعتراض، مما اضطر غسان للعب البطولة على حصانه الاحتياطي، وهو ما انعكس سلبًا على أدائه ونتائجه في المسابقات.

وأشار قصار إلى أن الخلافات بينهما لم تكن مجرد خلافات فردية، بل كانت تراكمات ناتجة عن سلوكيات باسل الأسد الأنانية،

والتي كانت تُعطي أفضلية لمحسوبيه في الحصول على الأحصنة المميزة وتوزيعها داخل النادي، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور أداء النادي ككل وأثر على نتائج الفرسان في البطولات.

المؤامرة للإيقاع بعدنان قصار: خطة القنبلة

تأخذ قصة عدنان قصار منعطفًا مأساويًا عندما قرر باسل الأسد استخدام وسيلة مؤامرة للإيقاع به وإبعاده عن ساحة الفروسية.

حيث قام باسل الأسد بإرسال أحد عناصره الذين كانوا أعضاءً في نادي الفروسية لمرافقة عدنان قصار خلال جولته على الخيول.

وكان هذا العنصر يحمل حقيبة رياضية بداخلها قنبلة، حيث قام بوضعها على حصان باسل الأسد، وذلك بهدف التلاعب بالأحداث وإظهار أن عدنان قصار هو من وضع القنبلة.

وعندما خرج قصار من النادي، قام اثنان من حراس النادي بمواجهته مسلحين ووجهوا له اتهامات بحيازة القنبلة.

لم يكن قصار في وضع يسمح له بالدفاع عن نفسه، فتم اقتياده على الفور إلى فرع التحقيقات العسكرية تحت الأرض، حيث قضى ستة أشهر من التحقيقات.

خلال هذه الفترة، حاول قصار مرارًا وتكرارًا طلب مقابلة باسل الأسد لتوضيح الأمور، لكنه قوبل برفض صارم من العناصر الأمنية التي ادعت انشغال باسل الأسد، مما زاد من تعقيد الوضع وأدى إلى تفاقم الحالة.

الانتقال إلى سجن صيدنايا وجلسة تثبيت الأقوال

بعد مرور ستة أشهر من التحقيقات، تم نقل عدنان قصار إلى سجن صيدنايا في جناح الباب الأسود بالطابق الثالث، حيث قضى هناك عشرة أشهر من السجن.

خلال هذه الفترة، خضع قصار لجلسة تثبيت الأقوال، حيث أجراه النائب العام وجلس معه لطرح أسئلة عادية تتعلق بلعبة الفروسية.

وتم تقديم أوراق للتوقيع عليها من قبل قصار، لكن الأوراق سقطت من يد النائب العام عن طريق الخطأ، لتظهر فيما بعد أنها أوراق فارغة.

وبعد مرور 19 عامًا من الاعتقال، اكتشف قصار أن التهم الموجهة إليه كانت تتعلق بتحقير رئيس الدولة والشروع في القتل العمد بحق باسل الأسد، ما أكسب القضية طابعًا من الفظاعة والظلم الذي تعرض له.

قصار
بعض من جوائز قصار في لعبة الفروسية

حادثة مقتل باسل الأسد وردود الأفعال العنيفة

في ظل استمرار قصار في السجن داخل جناح الباب الأسود، جاء خبر وفاة باسل الأسد. هذا الخبر لم يأتِ دون تداعيات عنيفة داخل السجن،

حيث قامت العناصر الأمنية بحشد نفسها في مواجهة قصار، وقاموا بضربه بشكل مبرح على مدار أسبوع كامل ليلاً ونهاراً.

وبعد مرور عشرة أيام من هذا الاعتداء الوحشي، علم قصار بمقتل باسل الأسد، ما أثار في نفسه مزيجًا من مشاعر التفاؤل،

إذ شعر بأن الله قد انتقم من باسل، وتشاؤم بشأن مستقبل قصار في السجون وما سيواجهه من معاناة مستمرة.

رحلة التعذيب في سجن تدمر والصعوبات التي واجهها قصار

لم تقتصر معاناة عدنان قصار على جناح الباب الأسود، بل انتقلت إلى سجن تدمر في حمص، حيث قضى هناك سبع سنوات ونصف، منها أربع سنوات ونصف في الحبس الانفرادي.

في هذه الفترة، تعرض قصار لأسوأ أنواع التعذيب التي يمكن تصورها، إذ كان يُجبر صباحًا على الركوع على ركبتيه دون السماح له برفع رأسه، ثم يتعرض للضرب المبرح.

وفي أحد الأيام، قام العناصر الأمنية بثقب أذن قصار صباحًا وكسر فكه وأسنانّه ليلاً، مما جعله غير قادر على تحريك فكه لمدة عشرة أيام.

وفي حادثة أخرى، تم القبض عليه أثناء صلاته، حيث كانت الصلاة ممنوعة في السجون، مما أدى إلى تعرضه لضرب شديد حتى بدأت العظام تبرز من قدميه.

هذه التجارب القاسية تركت أثراً نفسياً وجسدياً بالغاً في قصار، مما جعله يعيش سنوات من الألم والمعاناة التي لا تُنسى.

الأحداث الأمنية والاضطرابات في السجن

بعد انتهاء فترة السجن في تدمر، عاد قصار إلى سجن صيدنايا مرة أخرى. وفي عام 2008، اندلعت اضطرابات أمنية داخل السجن بين سجناء من الجناح الإسلامي وبين عناصر الأمن.

حيث دخلت عناصر أمنية إلى الجناح الإسلامي، وقامت بإخراج السجناء وتدمير ممتلكاتهم، ما أدى إلى اندلاع احتجاج واسع بين المساجين.

وصل عدد العناصر الأمنية الذين شاركوا في العملية إلى 1400 عنصر، حيث قاموا بجمع مقتنياتهم وأسلحتهم.

وسرعان ما تدخلت الفرقة الرابعة في الجيش، وحاصرت السجن، وبدأت في إطلاق الرصاص على المساجين.

وقد أثارت هذه الأحداث انتباه وسائل الإعلام الأجنبية مثل إذاعة CNN ومحطة مونتي كارلو، ما دفع الفرقة الرابعة إلى إجراء مفاوضات مع السجناء،

وتم إخلاء سبيل بعضهم. ومع ذلك، ظل قصار محتجزًا في الطابق الثاني لمدة ثلاث سنوات، قبل أن يُنقل لاحقًا إلى سجن عدرا، حيث تعرف أخيرًا على التهم الموجهة إليه.

عناوين قد تهمك: 

الضغط الدولي والإفراج عن قصار

على مدار سنوات اعتقال قصار، لعب الرأي العام العالمي دورًا مهمًا في تسليط الضوء على قضيته،

حيث كانت هناك نداءات مستمرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في مؤتمر جنيف الثاني.

وقد تم التركيز بشكل خاص على قضية قصار، مما أدى في نهاية المطاف إلى الإفراج عنه في عام 2014.

عاد قصار إلى أهله بعد الإفراج عنه، لكنه ظل صامتًا لفترة طويلة بسبب سيطرة نظام الأسد المجرم. وبعد سقوط النظام،

تمكن قصار أخيرًا من التحدث علنًا عن معاناته وآلامه التي تحملها سنوات اعتقاله والتعذيب الوحشي الذي تعرض له داخل السجون.

أسماء الأحصنة ودلالتها في عالم الفروسية

في ختام المقابلة التي أجراها مع عدنان قصار، تم سؤاله عن أسماء الأحصنة التي كان يمتطيها خلال مشاركاته في البطولات.

أفاد قصار أن حصانه الأساسي كان يُدعى “الورد”، وأن الحصان الثاني كان يُعرف باسم “مجد الشام”.

وأضاف أن هناك حصانًا ثالثًا كان يعد لتدريبه وتجهيزه ليكون أفضل حصان في البلدان العربية،

وكان يُطلق عليه اسم “بحر”. إلا أن دخوله المعتقل حال دون إكمال تدريبه،

مما شكل خسارة كبيرة لطموح قصار في تحسين أداء النادي ورفع مستوى المنافسة في عالم الفروسية.

درس في الظلم والاستغلال

تمثل قصة عدنان قصار درسًا قاسيًا في الظلم والاستغلال داخل عالم الفروسية السورية، حيث أدت النزاعات الداخلية والخلافات الشخصية إلى تحويل شغف قصار بالفروسية إلى معاناة مستمرة.

فقد تعرض لاضطرابات داخلية على مستوى النادي، والتي تحولت فيما بعد إلى مؤامرة إجرامية تمثلت في محاولة الإيقاع به

عبر استخدام وسائل عسكرية وتجسسية، مما أدى إلى سجنه وتعذيبه على مدى أكثر من 22 عامًا.

يُبرز قصار من خلال شهادته الصادمة مدى تأثير غطرسة عائلة الأسد وسياستها القمعية على حياة الأفراد، حتى في المجالات الرياضية التي يُفترض أن تكون مصدر فخر وانتصار.

كما يسلط الضوء على الأثر النفسي والجسدي الكبير الذي خلفه التعذيب داخل السجون، مما يترك بصمات لا تُمحى في ذاكرة المعتقلين.

عدنان قصار

أثر القضايا الدولية ودور الرأي العام

لم تكن قضية عدنان قصار مجرد مأساة محلية مقتصرة على عالم الفروسية فحسب، بل أثارت أيضًا اهتمام الرأي العام الدولي.

فقد لعبت وسائل الإعلام الأجنبية مثل CNN ومحطة مونتي كارلو دورًا مهمًا في نقل معاناة قصار وتسليط الضوء على الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات.

وبفضل هذه التغطية الدولية، تعرضت القضية لضغوط كبيرة أدت في النهاية إلى الإفراج عن قصار في عام 2014، وهو ما يُعد انتصارًا للحق والعدالة رغم كل ما عانى منه.

قصة تذكّرنا بأهمية العدالة والكرامة الإنسانية

تُعد قصة عدنان قصار قصة مأساوية تنطوي على العديد من العبر والدروس، إذ تؤكد أن النجاح والاحتراف في مجال الرياضة

يجب ألا تُخلط أبدًا مع الانتهاكات والظلم الذي قد يقع في بعض الأحيان بفعل غطرسة السلطة واستغلالها.

فرغم أن قصار كان رمزًا للفروسية وشغفه لهذه الرياضة، إلا أن النزاعات الداخلية ومحاولة الإيقاع به أدت إلى تحويل حياته إلى كابوس استمر لأكثر من عقدين.

إن ما تعرض له قصار من اعتقالات وتعذيب يُعد تذكيرًا بأهمية العدالة والكرامة الإنسانية، وضرورة مواجهة التجاوزات مهما كانت في المجالات الرياضية أو غيرها.

واليوم، وبعد الإفراج عنه، استطاع قصار أن يروي آلامه ومعاناته، مما يلهم الكثيرين في مواجهة الظلم ويحث على ضرورة الإصلاحات الشاملة في المؤسسات التي لا تسعى لحماية حقوق الأفراد.

وفي النهاية، تُبقى قصة عدنان قصار شاهدة على أن الرياضة، رغم ما تحمله من روح تنافسية، يجب أن تقوم على مبادئ العدالة والنزاهة،

وأن يُعامل كل فرد فيها بكرامة واحترام. إن هذه القصة المأساوية التي خاضها قصار تُعطي درسًا قويًا في أهمية الوقوف ضد الاستبداد والظلم،

وتُبرز أن الصمت عن الانتهاكات لا يؤدي إلا إلى تكرارها، وأن صوت المعتدى عليه يجب أن يُسمع في كل زمان ومكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى