
ديلي سبورت عربي – إسبانيا
من أي منظور منطقي، يُفترض أن يكون نادي فالنسيا أحد أعظم أندية إسبانيا. فالنادي يمتلك جميع المقومات: التاريخ العريق، قاعدة جماهيرية متحمسة، وملعبًا لا يُعد مجرد ساحة للمباريات، بل مؤسسة راسخة في كرة القدم الإسبانية. ومع ذلك، فإن النادي الذي يمثل مدينة الفنون والعلوم ظل لسنوات في حالة من الجمود دون أي تقدم يُذكر على أرض الملعب.
هذا الموسم بدا وكأنه سيكون أسوأ من مجرد انعدام التقدم؛ بل أشبه بحسابٍ عسير لتبعات التراجع المستمر. فالفريق كان عالقًا في معركة الهبوط التي لم يشهدها منذ سنوات، حيث جمع 28 نقطة فقط من 28 مباراة، أي بمعدل نقطة واحدة لكل مباراة، وهو أسوأ معدل له منذ أكثر من عقد. الأرقام لا تكذب.
استراتيجية البيع المستمرة وأثرها السلبي على فالنسيا
لطالما كان فالنسيا ناديًا يبيع نجومه لتعويض العجز المالي، حيث انتقل منه لاعبون كبار مثل ديفيد فيا، خوان ماتا، ديفيد سيلفا، ورودريغو. كانت هذه السياسة تدر الأرباح للنادي، لكنها في المقابل صنعت نجاحات لأندية أخرى.
ومع ذلك، فقد ازداد هذا النهج تسارعًا في السنوات الأخيرة، إذ تم بيع نجوم بارزين مثل فيران توريس، غونزالو غيديش، يونس موسى، وجورجي مامارداشفيلي. النموذج الاقتصادي للنادي ظل كما هو: بيع، استبدال، ثم بيع مجددًا. المشكلة أن هذه السياسة، عند تكرارها باستمرار دون تعويض مناسب، تترك الفريق دون موارد فنية كافية للبقاء في مستوى تنافسي.
داني باريخو، الذي كان أحد أعمدة خط وسط فالنسيا لعقد من الزمن، لخص المشكلة قائلًا: “إذا استمروا في هذا النهج، فسيأتي يوم يهبط فيه الفريق”.
سباق الهبوط في الليغا
عادةً ما يكون صراع الهبوط في الليغا مليئًا بالذعر والتغييرات السريعة للمدربين، لكن هذا الموسم كان استثناءً إلى حد ما. فقط أربعة فرق قامت بتغيير مدربيها حتى الآن، وهو عدد قليل مقارنةً بالمواسم السابقة. على سبيل المثال، شهد الموسم الماضي تغيير ثمانية أندية لمدربيها، بينما شهد موسم 2021-2022 تغيير نصف فرق الدوري لمدربيها خلال الموسم.
ريال بلد الوليد هو أكثر الفرق معاناة، حيث جمع 16 نقطة فقط من 28 مباراة بمعدل 0.57 نقطة لكل مباراة، مما يجعله قريبًا من الفرق الأسوأ في تاريخ الليغا. أما لاس بالماس، فيبدو أيضًا في طريقه إلى الهبوط، حيث يحتل المركز التاسع عشر بأسوأ فارق أهداف متوقع تقريبًا. أما فالنسيا، فيمكنه أن يستمد بعض الأمل من حقيقة أن جدول مبارياته المتبقية يُعتبر التاسع من حيث السهولة بين الفرق الأخرى.
التأثير الهادئ لكارلوس كوربران
لم يقم كوربران بتغيير جذري لفريق فالنسيا الذي تركه روبن باراخا، بل أعاد ترتيبه بلمسات تكتيكية بسيطة لكنها فعالة. فالأسس بقيت كما هي، لكن النظام من حولها تغير، مما سمح للاعبين باستعادة مستواهم.
باراخا اعتمد على خطة 4-4-2 الصارمة التي حققت نجاحًا نسبيًا الموسم الماضي، حيث أنهى الفريق في المركز التاسع بأحد أفضل الفوارق المتوقعة للأهداف. لكن في هذا الموسم، بدأ فالنسيا بسلسلة من الهزائم، حيث خسر أربعًا من أول خمس مباريات وتعادل في واحدة، مما جعل الفريق ينزلق تدريجيًا نحو القاع. التبديل إلى 4-2-3-1 منح الفريق بعض التحسن مؤقتًا، لكنه لم يكن كافيًا لإنقاذ المشروع، مما استدعى تدخل كوربران.
تحت قيادة كوربران، أصبح فالنسيا أكثر انضباطًا في الاستحواذ على الكرة. فقد زاد متوسط هجماته المبنية (تحركات تحتوي على 10 تمريرات أو أكثر وتنتهي داخل منطقة الخصم) من 1.1 إلى 1.4 لكل مباراة. كما ارتفع عدد سلاسل التمريرات التي تتجاوز 10 تمريرات من 6.6 إلى 7.9 لكل مباراة، مما منح الفريق مزيدًا من التحكم في إيقاع اللعب.
هدف فالنسيا ضد جيرونا في الأسبوع الماضي، الذي جاء بعد سلسلة من 21 تمريرة، يعكس هذا التطور الكبير في الأسلوب. فقبل ذلك، كان أطول عدد تمريرات متتالية قادت إلى هدف للفريق لا يتجاوز 11 تمريرة.
اقرأ أيضاً: ريال مدريد في حالة قلق بعد استبعاد كورتوا من مباراة بلجيكا وأوكرانيا

عصر جديد في خط الوسط
التحول الأكبر الذي أحدثه كوربران يتمثل في ثنائي خط الوسط، خافي غيرا وإنزو بارينيشيا، اللذين أصبحا ركيزة لا غنى عنها للفريق. بارينيشيا، المُعار من أستون فيلا، انتقل من كونه لاعبًا احتياطيًا إلى أحد أكثر لاعبي الارتكاز تأثيرًا في الليغا، حيث أصبح ضمن أفضل 10 لاعبين من حيث استعادة الكرة منذ وصول كوربران. أما خافي غيرا، فقد استعاد مستواه السابق، حيث أصبح اللاعب الذي يدور حوله الفريق هجوميًا، متصدرًا القائمة في عدد المشاركات في الفرص الهجومية المفتوحة.
المستقبل المجهول لفالنسيا
كوربران أنجز ما يفوق التوقعات في فترة قصيرة، حيث جعل فريقًا كان يعاني من التدهور يبدو أكثر تماسكًا وقدرة على المنافسة. لكن فالنسيا يحتاج إلى أكثر من مجرد حلول مؤقتة. البقاء في الليغا في ظل هذه الظروف لا يُعد نجاحًا، بل مجرد تأجيل لمصير محتوم إذا لم تتغير الأوضاع.
وفقًا لتوقعات الحاسوب الفائق التابع لـ Opta، لا يزال لدى فالنسيا فرصة بنسبة 18% للهبوط، مما يعني أن الخطر لم يُرفع بالكامل بعد.
الإدارة حاولت التدخل في يناير من خلال التعاقد مع عمر صادق، ماكس آرونز، وإيفان خايمي، لكن لم يشارك سوى صادق بشكل ملحوظ. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه الصفقات كافية لإعادة النادي إلى المكانة التي يستحقها. يحتاج فالنسيا إلى مزيد من الاستثمار، وخطة أكثر طموحًا، وربما قيادة جديدة تدرك قيمة النادي الحقيقية.
ولكن في الوقت الحالي، يبقى الهدف الأساسي واضحًا: البقاء في الدوري. ولكي يحدث ذلك، يجب على فالنسيا أن يواصل القتال، وأن يحافظ على أسلوبه الجديد تحت قيادة كوربران، وأن يحقق النتائج التي تضمن له البقاء موسمًا آخر على الأقل.