الرئيسيةكأس العالم قطر 2022
أخر الأخبار

كأس العالم 2022 ..وحكايات لم نسمعها من قبل “الحارس البرازيلي الذي مات حياً بين خشبتي مرمى”

ديلي سبورت عربي_الدوحة

عشية مباراة منتخب البرازيل في مواجهة نظيره السويسري في كأس العالم لكرة القدم 2022 المقامة في قطر

وتأهل السيلساو كما يبدو إلى الدور الثاني الليلة اذا سارت سفنهم كما تسير الرياح السويسرية ، نحاول أن نفهم ماهية هذه الكرة الساحرة

وكأنها مسرحاً لكن أبطاله هم أبناء الحياة الذين يصنعون خيالاً ، لاعبوها اشداء اقوياء، أوفياء لها ، يرتكبون تسللاً ، يرتكبون مخالفات لا توصل إلى القبر

لكن أن توصل حارس مرمىً إلى حبل المشنقة حياً ، فهذا يسمى استبداداً ، وقتلاً لمفهوم المتعة التي تتسم به أول لعبة شعبية في العالم .
ماقصة حارس المرمى تلك ؟.في قصة جديدة من قصص المونديال نلخص

وبتصرف من كتاب “أغرب الحكايات في تاريخ المونديال” لكاتبه الأرجنتيني لوسيانو بيرنيكي :
خسر البرازيليون نهائي مونديال 1950، في عقر الدار أمام أوروغواي

لكنهم نسبوا خسارتهم تلك إلى متهم وحيد، لا بل إلى ضحية وحيدة هو مواسير باربوزا ناسيمنتو، حارس المرمى .

البرازيليون يتوّجون أنفسهم بطلاً للمونديال 1950 قبل بداية النهائي

في العام 1950 تهيأت البرازيل لاحتضان كأس العالم، وأقامت ملعبها العملاق الماراكانا، كي يكون صرحها العظيم للتتويج بأول لقب.

أقيمت البطولة بأربع مجموعات، صعد منها للدور النهائي كل من البرازيل وأوروغواي والسويد وإسبانيا، فتواجهت الفرق في مجموعة واحدة ضمن بطولة مصغّرة.
ومن مواجهتين ضد السويد وإسبانيا فازت أوروغواي بواحدة، وتعادلت في أخرى؛ لتحصد 3 نقاط، فيما فازت البرازيل على إسبانيا والسويد جامعة 4 نقاط

ليكون اللقاء الثالث حاسماً ضد أوروغواي المتأخر بنقطة واحدة وثمينة.

في 16 يوليو/تموز 1950، احتشد أكثر من 173.000 متفرج في الماراكانا للهتاف والغناء والاحتفال المسبق بالتتويج، تدفعهم إلى ذلك
شعبوية الإعلام البرازيلي وغروره، الذي ظنّ أن أوروغواي سيكون فطوراً سهلاً

خاصة أن التشكيلة البرازيلية تغلبت على السويد بسباعية كاملة، وسحقت الإسبان بسداسية.

الصحف البرازيلية: البرازيل بطل العالم وخطاب لجول ريمي بالبرتغالية

كان كل شيء مرتباً لتفوز البرازيل حتى أن الصحيفة البرازيلية “كاريوكا دولموندو” نشرت صبيحة المباراة، وتحت صورة الفريق الوطني عنواناً عريضاً

“هذا هو بطل العالم”، حتى إن الغرور العام التهم في طريقه رئيس الاتحاد الدولي، جول ريمي، لدرجة أنه حضّر خطاب التتويج باللغة البرتغالية لغة البرازيليين، لا باللغة الإسبانية لغة أوروغواي .

أما اتحاد الكرة البرازيلي فصكّ ميداليات ذهبية، بأسماء أبطال العالم، كي يوزعها على لاعبيه فور نهاية المواجهة التاريخية .

اقرأ أيضاً عن البرازيل في كأس العالم 2022: 

دموع نيمار تحبس أنفاس البرازيليين ..وتيتي

الانطلاقة البرازيلية في كأس العالم 2022 ..البرازيل تتغلب على صربيا بهدفين لريتشارليسون

كما كان منتظراً سيطر لاعبو البرازيل على مجريات الشوط الأول، مع لحظات خوف مريعة، حينما أنقذهم حارسهم باربوزا من كرة خطيرة

صفق لها الجمهور قبل أن يضع يده على قلبه من كرة ارتطمت بالقائم.

الشوط الثاني ..الفخ الاورغوياني

مع بداية الشوط الثاني جاء هدف البرازيل، في الدقيقة الثانية والخمسين بقدم فراشيا كاردوسو، لينفجر الملعب الذي بكر في الاحتفال

والرقص وترديد الأهازيج، غير أن الفرحة البرازيلية لم تتم فاستهانوا بالخصم، وسبقوا الفرح بليلة.

لكن “السيلساو” لم يكونوا يدركون أن أوروغواي فضّل التكتل الدفاعي؛ ليصبح أكثر قدرة بدنية ، إذ خاض 3 مباريات فقط،

فقد جاء من الدور الأول بمباراة وحيدة فاز بها ضد بوليفيا بعد انسحاب فرنسا، فيما لعبت البرازيل 5 مواجهات كاملة في الدورين.

لجأ لاعبو الأزرق السماوي إلى امتصاص حماسة منتخب السيليساو وثورة الجماهير، فوفروا مخزون لياقتهم للربع ساعة الأخير

مستنفرين بحيلة تحفيزية اهتدى لها مدرب الفريق، ستعرف بعد نهاية المباراة

وكانت تلك كلمة السر في استنهاض الهمم وفرض التحدي لكسر كبرياء وغرور البرازيليين الذين” باعوا فرو الدب قبل اصطياده .”

انتحارات وحداد وطني عام…كيف تحول العرس البرازيلي إلى جنازة

في الدقيقة السادسة والستين، سيصمت الجمهور البرازيلي لعدة دقائق عندما تحرر “غيغيا “على الجانب الأيمن

مقدماً عرضية لزميله سيكافينو ليطلق الأخير المرمى البرازيلي بقذيفة، لم يستطع الحارس” باربوزا” أن يفعل لها شيئاً: إنه هدف التعادل.

صارت معنويات الجمهورالبرازيلي في الحضيض، فبعد كل المغالاة بالغرور تحولوا فريسة للخوف

لترتجف أرجل لاعبي البلد المضيف، خشية من الصمت الذي ساد مدرجات ماركانا.

كان التعادل يكفي البرازيل لرفع الكأس، لكن الصدمة ستقع قبل 11 دقيقة من تلك اللحظة الحلم، سيبرز الكابوس ماثلاً أمامهم عبر اللاعب الأوروغواياني غيغيا

وهو ينسل على اليمين بلا رقابة، كان يجري مثل ثور هائج حتى صار في منطقة الستة أمتار، وقف باربوزا يراقبه ظناً أنه سيمرر مثلما فعل ذلك في الهدف الأول

وتعزز يقينه حين رآه يبحث بعينيه عن سكيافينو، فتثبت على قدمه اليمنى للانقضاض لقطع التمريرة، غير أن الثور فضّل، وقد لمح زاوية الحارس المفتوحة

أن يركل الكرة مباشرة، ارتمى باربوزا لامساً الكرة البنية بقفازه لكن ارتطامها بالأرض ضاعف سرعتها وقوتها، وقد خال لأول وهلة

أنه أخرجها غير أن الصمت المريب ليتحول الماراكانا إلى صمت مريب ، لقد سجلت أوروغواي الهدف الثاني .

لأبعاد النحس، غيّر الاتحاد البرازيلي زي المنتخب الأبيض، إلى اللونين الأصفر والأخضر إلى الابد

عبثاً حاول البرازيليون التعديل، لكن صفارة الحكم المباراة وسقط الحلم، ليتحول العرس الكبير إلى مأتم لم يشهد له تاريخ الكرة مثيلاً.
حلّت الهيستريا بالجمهور، توفي عدد منهم بسكتات قلبية، رمى أحدهم نفسه من المدرج العلوي منتحراً في الملعب

وتبعه آخرون في منازلهم، وأعلن معلق برازيلي شهير اعتزال التعليق الرياضي نهائياً، ثم قرر اتحاد اللعبة منذ ذلك اليوم عدم اللعب، باللون الأبيض.

اعتزالات بالجملة

وفيما راح اللاعبون المنهزمون يبكون ويقررون الاعتزال الواحد تلو الآخر، كان الأورغويانيون يرقصون ويغنون

ويشكرون الطاقم الفني الذي اهتدى إلى تحفيزهم بأكثر الطرق .

من جهته اللاعب غيغيا ردّ بمقولة خالدة “ثلاثة أشخاص أسكتوا الماراكانا: البابا، والمغني الأمريكي فرانك سيناترا، وأنا غيغيا لاعب أوروغواي”.

لا تفوت هذه العناوين عن البرازيل:

معركة بوردو..ربع نهائي ملحمي بين تشيكسلوفاكيا و البرازيل عام 1938

البرازيل تحافظ على صدارة الترتيب ومنتخب المغرب الاول عربيا

عجز البرازيليون عن تفسير النتيجة التي لم يحسمها تفوق أصحاب الأرض، بل توفيق رب السماء، لقد قال باربوزا حارس المرمى لاحقاً

“لو أننا عدنا لنلعب ضد أوروغواي 10 مباريات، فإننا سنفوز عليه 11 مرة”. أما الجمهور الذي سيعيش أسوأ ذكرى كروية

فسمى الحادثة “الماراكانازو” أي صدمة الماراكانا، ثم بحثوا عن كبش الفداء في تلك المحرقة

فلم يجدوا غير الحارس الذي لفّ حول رقبته حبل المسؤولية عن دخول الهدف وضياع اللقب.

عاش بعزلة، ونُفي من المنتخب ..

تعرض باربوزا إلى حملة شعواء بسبب ذلك الهدف اللعين، يقول في إحدى حواراته: “كان مقرراً أن يقيم جيراني عشاء احتفالياً كبيراً بعد الفوز بالكأس

لكني عندما عدت شعرت بالحزن، وجدت الطعام كما هو فوق الطاولة، لم يشأ أحد أن يتناوله معي حتى الكلاب المتشردة عافت أن تأكله”.
طالته موجات من الشتم والسباب في الشوارع، فلزم بيته لا يغادره لأيام وأسابيع

أما في القطار فسمع شخصاً يحدّث رفيقه وهو يطالع مقالات الصحافة: “باربوزا اللعين، سأقتله لو صادفته في الطريق”.

مواسيرو باربوزا
موسيرو باربوزا

عنصرية بشعة

ولأنه كأن أسود البشرة سيغدو ضحية العنصرية، لقد سمعهم يقولون مثلاً: إن الزنوج كائنات هشة

ليست لها القوة الذهنية للعب مباراة نهائية في حجم كأس العالم

فجأة نسي البرازيليون أنفسهم أن باربوزا نال لقب أحسن حارس في المونديال الملعون.

لأيام أخرى سيهجره النوم وهو يرى أن الكل تكالب ضده، فأصيب بأزمة نفسية عميقة واكتئاب حاد

وفكر غير مرة في الانتحار، الذي لاحت هواجسه لحظة الهدف العصيب.

“في تلك اللحظة رغبت في الاختفاء في فوهة بركان. شعرت كما لو أن الملعب كان يهوي على رأسي.

لم أكن قادراً على النوم لليالٍ طويلة، كان الصمت الذي أعقب الهدف مؤلماً للغاية. نعم ذلك الصمت شديد الألم”.

طرده حلاق مدينة بورتو أليغري

رفض حلاق بمدينة بورتو أليغري أن يحلق له قبل أن يطرده من المحل، فدافع عن نفسه مرة ومرات

مردداً “لست المسؤول وحدي، كنا أحد عشر لاعباً في الملعب”.

ودونما جدوى سيتم الاستغناء عنه تدريجياً من صفوف المنتخب الوطني، إذ لم يلعب سوى مباراة وحيدة عام 1953

ومع أن مساره الكروي استمر مع فرق محلية لسنوات أخرى، نال فيها بطولات وطنية

قبل أن يعتزل اللعبة عام 1962 بعد إصابة خطرة مع فريق مغمور، فإن مأساة هدف غيغيا سترافقه إلى الأبد.

مواسيرو باربوزا
كأس العالم البرازيل

الشخص الذي أبكى البرازيل..!

في العام 1970 ستعود تلك الذكرى المأساوية لتحاصره من جديد، يروي بنفسه ألمه:

“كنت أعمل في متجر، فتقدمت مني سيدة لاقتناء مصباح كهربائي فانزويت إلى الخلف لأتكفل بطلبها

غير أنها نادت ابنها الذي كان في سيارتها المركونة قبالة المحل، عندما دخل قالت له وهي تشير بأصبعها خلف ظهري

أرأيت ذلك الشخص. هذا هو الحارس الذي أبكى الشعب البرازيلي في عام الخمسين”.

بسبب باربوزا الأسود، مرت البرازيل بسنوات لم يكن سهلاً لأي أسود أو خلاسي أن يحوز مكانة في الفريق

فاللاعب الموهوب غارينشا لم يقحم كثيراً في مونديال 1958، لكن الأسطورة بيليه سيحطم تلك المعاملة العنصرية إلى الأبد.

أحرق باربوزا خشبات المرمى اللعين وزغالو طرده من معسكر السيليساو

رفضت الهيئات الكروية منحه أية وظيفة محترمة، أو منصباً تدريبياً يليق بمساره الطويل

فاشتغل في مسبح مجمع ملعب الماراكانا، ثم إنه كان ينزل بين فترة وأخرى لمواجهة خشبات المرمى الذي دفنه البرازيليون حياً بينها

وما من أحد توقع ما كان ينوي فعله حتى جاءته فرصة تجديد الملعب عام 1963، وكما لو أنه نوى أن ينتهي من الشؤم الذي لازمه

طلب من إدارة الملعب منحه خشبات المرمى، وقد كان سعيداً بأن أعد من تلك الأعواد التي أحرقها

ناراً وشوى فوقها لحم الشوهاسكو في جلسة سمر مع الأصدقاء.

عناوين إضافية عن كأس العالم 2022:

غانا في سيناريو جميل تتفوق على كوريا الجنوبية في كأس العالم قطر

كلاسيكو أوروبي لاتيني بين البرتغال و الأوروغواي في كأس العالم قطر

اجتهد باربوزا في طي مأساته، ثم أنهكته تكاليف علاج زوجته المريضة بالسرطان، حتى بلغ عتبات الفقر المدقع، لكن لا أحد في البرازيل اجتهد للعفو عنه ولو بعد عمر طويل.

القط الأسود..!

في العام 1993 قام الرئيس السابق للاتحاد البرازيلي لكرة القدم، ريكاردو تيكسيرا ، الذي سبق له أن وصفه بـ”القط الأسود”

وتعني “رجل الشؤم”، بمنعه من التعليق على إحدى مباريات المونديال و بإجراء حوار مع الحارس طافاريل، أما المدرب الشهير ماريو زاغالو

فقام بطرده من معسكر الفريق البرازيلي المتأهب للمشاركة في مونديال 94، مانعاً إياه من زيارة ودية كان يبتغي عبرها رفع المعنويات

فخرج محبطاً مخلفاً وراءه جملته الشهيرة لوسائل الإعلام المرئية “ثلاثون عاماً هي أقصى عقوبة لجريمة في البرازيل

أما أنا فأدنت من طرف الجميع بعقوبة 50 عاماً نافذاً عن جريمة لم أرتكبها”.

الحارس البرازيلي باربوزا

في العام 2000 رحل ساربوزا فقيراً..”الرجل الذي رحل مرتين “

في العام 1996 توفيت زوجته كولتيلد، فقرر أن يهجر العاصمة ريو ليستقر في منزل متواضع بمدينة سيداد أوشيان

على ساحل ساو باولو، حيث استأجر شقة بغرفة نوم واحدة وصالة، ثم يموت هناك ربيع العام 2000، بطالاً

منسياً تحت خط الفقر، ودون أن يتعرف عليه أحد.

رحل “الحارس المنبوذ” تاركاً مأساته للتاريخ، فقد ألف عنه الكاتب روبرتو مويلارت مؤلفاً عنوانه “باربوزا:

هدف عمره خمسون عاماً”، أما المغني الأوروغواياني الشهير “طاباراز كاردوسو”، فقد خلدّه بمرثية حزينة تحمل اسمه ويقول مقطعها: “باربوزا الرجل الذي مات مرتين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى